فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(خ) «عن أبي هريرة قال لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته».
(خ) «عن إبراهيم بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوأتى بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب ابن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه وإن غطى رجلاه بدا رأسه قال وأراه قال قتل حمزة وهو خير مني فلم يوجد ما يكفن فيه بردة ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط وقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام» وقال جابر بن عبد الله «رأى عمر بن الخطاب لحما معلفقا في يدي فقال ما هذا يا جابر قلت اشتهيت لحما فاشتريته فقال عمر كلما اشتهيت يا جابر اشتريت أما تخاف هذه الآية أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا». اهـ.

.قال النسفي:

{حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق}.
ملتبسًا بالحق {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه وهو يوم القيامة {والذين كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ} عما أنذروه من هول ذلك اليوم الذي لابد لكل مخلوق من انتهائه إليه {مُّعْرِضُونَ} لا يؤمنون به ولا يهتمون بالاستعداد له. ويجوز أن تكون (ما) مصدرية أي عن إنذارهم ذلك اليوم {قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أخبروني {مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} تعبدونه من الأصنام {أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} أي شيء خلقوا مما في الأرض إن كانوا الهة {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السماوات} شركة مع الله في خلق السماوات والأرض {ائتونى بكتاب مِّن قَبْلِ هذا} أي من قبل هذا الكتاب وهو القرآن يعني أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وإبطال الشرك. وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك. فأتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله {أو أثارة مِّنْ عِلْمٍ} أوبقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين {إِن كُنتُمْ صادقين} أن الله أمركم بعبادة الأوثان.
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غافلون} أي أبدًا {وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً} أي الأصنام لعبدتها {وَكَانُواْ} أي الأصنام {بِعِبَادَتِهِمْ} بعبادة عبدتهم {كافرين} يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا.
ومعنى الاستفهام في {مَنْ أَضَلَّ} إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالًا من عبدة الأوثان حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على كل شيء ويدعون من دونه جمادًا لا يستجيب لهم ولا قدرة له على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا وإلى أن تقوم القيامة. وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا عليهم ضدًا فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة لا تتو لاهم في الدنيا بالاستجابة. وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم.
ولما أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والغفلة قيل (من) و(هم). ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة. طريقه طريق التهكم بها وبعبدتها ونحوه قوله تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ ولوسَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: 14].
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيِّنَاتٍ} جمع بينة وهي الحجة والشاهد أو واضحات مبينات {قال الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ} المراد بالحق الآيات وبالذين كفروا المتلوعليهم فوضع الظاهران موضع الضميرين للتسجيل عليهم بالكفر و للمتلوبالحق {لَمَّا جَاءَهُمْ} أي بادهوه بالجحود ساعة أتاهم وأول ما سمعوه من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر {هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر أمره في البطلان لا شبهة فيه {أَمْ يَقولونَ افتراه} إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحرًا إلى ذكر قولهم إن محمدًا عليه السلام افتراه أي اختلقه وأضافه إلى الله كذبًا. والضمير للحق والمراد به الآيات {قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ الله شَيْئًا} أي إن افتريته على سبيل الفرض عاجلني الله بعقوبة الافتراء عليه فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي. ولا تطيقون دفع شيء من عقابه فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه؟.
{هو أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} أي تندفعون فيه من القدح في وحي الله والطعن في آياته وتسميته سحرًا تارة وفرية أخرى {كفى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} يشهد لي بالصدق والبلاغ ويشهد عليكم بالجحود والأنكار. ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء إفاضتهم {وَهوالغفور الرحيم} موعدة بالغفران والرحمة إن تابوا عن الكفر وآمنوا.
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل} أي بديعًا كالخف بمعنى الخفيف. والمعنى إني لست بأول مرسل فتنكروا نبوّتي {وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى ولا بِكُمْ} أي ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان.
وعن الكلبي قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين: حتى متى تكون على هذا؟ فقال: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم. أأترك بمكة أم أو أو مر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها يعني في منامه ذات نخيل وشجره و(ما) في {مَّا يَفْعَلُ} يجوز أن يكون موصولة منصوبة. وأن تكون استفهامية مرفوعة.
وإنما دخل (لا) في قوله: {ولاَ بِكُمْ} مع أن {بفعل} مثبت غير منفي لتناول النفي في {مَا أَدْرِى} (ما) وما في حيزه {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ} القرآن {مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل} هو عبد الله بن سلام عند الجمهور و لهذا قيل: إن هذه الآية مدنية لأن إسلام بن سلام بالمدينة.
رُوي أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نظر إلى وجهه فعلم أنه ليس بوجه كذاب.
قال له: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة. وما أول طعام يأكله أهل الجنة. وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو الى أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت. وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه وإن سبق ماء المرأة نزعته» فقال: أشهد أنك رسول الله حقًا.
{على مِثْلِهِ} الضمير للقرآن أي مثله في المعنى وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعاني القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك. ويجوز أن يكون المعنى إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد على نحوذلك يعني كونه من عند الله {فَئَامَنَ} الشاهد {واستكبرتم} عن الآيمان به.
وجواب الشرط محذوف تقديره إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين. ويدل على هذا المحذوف.
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} والواو الأولى عاطفة لـ: {كَفَرْتُمْ} على فعل الشرط. وكذلك الواوالأخيرة عاطفة لـ: {استكبرتم} على {شَهِدَ شَاهِدٌ}. وأما الواو في {وَشَهِدَ} فقد عطفت جملة قوله: {شَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل على مِثْلِهِ فَئَامَنَ واستكبرتم} على جملة قوله: {كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ} والمعنى قل أخبروني إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع كفركم به. واجتمع شهادة أعلم بني إسرائيل على نزول مثله. فإيمانه به مع استكباركم عنه وعن الآيمان به. ألستم أضل الناس وأظلمهم؟.
{وَقال الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَآمنوا} أي لأجلهم وهو كلام كفار مكة قالوا: إن عامة من يتبع محمدًا السقاط يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود {لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} لوكان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقنا إليه هؤلاء {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} العامل في (إذ) محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم وقوله: {فَسَيَقولونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} مسبب عنه وقولهم {إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي كذب متقادم كقولهم {أساطير الأولين} [الأنعام: 25] {وَمِن قَبْلِهِ} أي القرآن {كِتَابُ موسى} أي التوراة وهو مبتدأ و{مِن قَبْلِهِ} ظرف واقع خبرًا مقدمًا عليه وهو ناصب {إِمَامًا} على الحال نحو: في الدار زيد قائمًا.
ومعنى {إِمَامًا} قدوة يؤتم به في دين الله وشرائعه كما يؤتم بالإمام {وَرَحْمَةً} لمن امن به وعمل بما فيه {وهذا} القرآن {كتاب مُّصَدِّقٌ} لكتاب موسى أولما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب {لِّسَانًا عربيًّا} حال من ضمير الكتاب في {مُّصَدّق} والعامل فيه {مُّصَدّق} أو من كتاب لتخصصه بالصفة ويعمل فيه معنى الإشارة. وجوز أن يكون مفعولا لـ: {مُّصَدّق} أي يصدق ذا لسان عربي وهو الرسول {لِّيُنذِرَ} أي الكتاب. {لّتُنذِرَ} حجازي وشامي.
{الذين ظَلَمُواْ} كفروا {وبشرى} في محل النصب معطوف على محل {لّيُنذِرَ} لأنه مفعول له {لِّلْمُحْسِنِينَ} للمؤمنين المطيعين.
{إِنَّ الذين قالواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} على توحيد الله وشريعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} في القيامة {ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} عند الموت {أولئِكَ أصحاب الجنة خالدين فِيهَا} حال من {أصحاب الجنة} والعامل فيه معنى الإشارة الذي دل عليه {أولئك} {جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} جزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء.
{ووصَّيْنَا الإنسان بوالديه إحسانا} كوفي أي وصيناه بأن يحسن بوالديه إحسانًا. {حُسْنًا} غيرهم أي وصيناه بوالديه أمرًا ذا حسن أوبأمر ذي حسن. فهو في موضع البدل من قوله: {بوالديه} وهو من بدل الاشتمال {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا} وبفتح الكافين: حجازي وأبو عمرو وهما لغتان في معنى المشقة. وانتصابه على الحال أي ذات كره. أو على أنه صفة للمصدر أي حملًا ذاكره {وَحَمْلُهُ وفصاله} ومدة حمله وفطامه {ثَلاَثُونَ شَهْرًا} وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع إذا كانت حولين لقوله تعالى: {حوليْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] بقيت للحمل ستة أشهر. وبه قال أبويوسف ومحمد رحمهما الله. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: المراد به الحمل بالأكف.
{وَفِصْلُهُ} يعقوب.
والفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} هو جمع لا واحد له من لفظه. وكان سيبويه يقول: واحده شدة. وبلوغ الأشد أن يكتهل ويستوفي السن التي تستحكم فيها قوته وعقله وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين.
وعن قتادة: ثلاث وثلاثون سنة ووجهه أن يكون ذلك أول الأشد وغايته الأربعون.
{وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال رَبِّ أَوْزِعْنِى} ألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وعلى وَالِدَىَّ} المراد به نعمة التوحيد والإسلام. وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه لأن النعمة عليهما نعمة عليه {وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه} قيل: هي الصلوات الخمس {وَأَصْلِحْ لِى في ذُرّيَّتِى} أي اجعل ذريتي موقعًا للصلاح ومظنة له {إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ} من كل ذنب {وَإِنِّى مِنَ المسلمين} من المخلصين {أولئِكَ الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم} حمزة وعلي وحفص.
{يُتَقَبَّل} {ويُتَجاوز} {أَحْسَنُ} غيرهم {فِى أصحاب الجنة} هو كقولك: أكرمني الأمير في ناس من أصحابه تريد أكرمني في جملة من أكرم منهم ونظمني في عدادهم. ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم {وَعْدَ الصدق} مصدر مؤكد لأن قوله: {يُتَقَبَّل} {ويتجاوز} وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز.
قيل: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفي أبيه أبي قحافة وأمه أم الخير وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم. فإنه امن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ودعا لهما وهو ابن أربعين سنة ولم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبي بكر رضي الله عنه {الذى كَانُواْ يُوعَدُونَ} في الدنيا.
{والذى قال لوالديه} مبتدأ خبره {أولئِكَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} والمراد بالذي قال. الجنس القائل ذلك القول و لذلك وقع الخبر مجموعًا.
وعن الحسن: هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث.
وقيل: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قبل إسلامه. ويشهد لبطلانه كتاب معاوية إلى مروان ليأمر الناس بالبيعة ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: لقد جئتم بها هرقلية أتبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان: يا أيها الناس هذا الذي قال الله تعالى فيه: {والذى قال لوالديه أُفّ لَّكُمَا}.
فسمعت عائشة رضي الله عنها فغضبت وقالت: والله ما هو به ولو شئت أن أسميه لسميته. ولكن الله تعالى لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله أي قطعة {أُفّ لَّكُمَا} مدني وحفص. {أُفَّ} مكي وشامي. {أُفِّ} غيرهم وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر كما إذا قال (حس) علم أنه متوجع.
واللام للبيان أي هذا التأفيف لكما خاصة ولاجلكما دون غيركما.
{أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ} أن أبعث وأخرج من الأرض {وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِى} ولم يبعث منهم أحد {وَهُمَا} أبواه {يَسْتَغِيثَانِ الله} يقولان الغياث بالله منك ومن قولك وهو استعظام لقوله ويقولان له {وَيْلَكَ} دعاء عليه بالثبور والمراد به الحث والتحريض على الآيمان لا حقيقة الهلاك {ءَآمِنْ} بالله وبالبعث {إِنَّ وَعْدَ الله} بالبعث {حَقٌّ} صدق {فَيَقول} لهما {مَا هذا} القول {إِلاَّ أساطير الأولين أولئِكَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي لأملأن جهنم {فِى أُمَمٍ} في جملة أمم {قَدْ خَلَتْ} قد مضت {مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين ولكُلّ} من الجنسين المذكورين الأبرار والفجار {درجات مِّمَّا عَمِلُواْ} أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر. أو من أجل ما عملوا منهما. وإنما قال: {درجات} وقد جاء (الجنة درجات والنار دركات) على وجه التغليب {وليُوَفِّيَهُمْ أعمالهم} بالياء: مكي وبصري وعاصم {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم. قدّر جزاءهم على مقادير أعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات فاللام متعلقة بمحذوف {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} عرضهم على النار تعذيبهم بها من قولهم: عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به.
وقيل: المراد عرض النار عليهم من قولهم: عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فقلبوا {أَذْهَبْتُمْ} أي يقال لهم أذهبتم وهو ناصب الظرف {طيباتكم في حياتكم الدنيا} أي ما كتب لكم حظ من الطيبات إلا ما قد أصبتموه في دنياكم وقد ذهبتم به وأخذتموه فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها.
وعن عمر رضي الله عنه: لو شئت لكنت أطيبكم طعامًا وأحسنكم لباسًا ولكني أستبقي طيباتي {واستمتعتم بِهَا} بالطيبات {فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} أي {الهوان} وقرئ به {بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} تتكبرون {فِى الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} أي باستكباركم وفسقكم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الأحقاف:
{تَنزِيلُ} ذكر في الزمر {إِلاَّ بالحق} ذكرا مرارًا {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} يعني يوم القيامة {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ} {ائتوني بِكِتَابٍ} تعجيز لأنهم ليس لهم كتاب يدل على الإشراك بالله. بل الكتب كلها ناطقة بالتوحيد احتجاج على التوحيد وردّ على المشركين. فالأمر بمعنى التعجيز {شِرْكٌ فِي السماوات} أي نصيب {أو أثارة مِّنْ عِلْمٍ} أي بقية من علم قديم يدل على ما يقولون. وقيل: معناه من علم تثيرونه أي تستخرجونه. وقيل: هو الإسناد. وقيل: هو الخط في الرمل. وكانت العرب تتكهن به. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان نبي من الأنبياء يخط في الرمل فمن وافق خطه فذاك».
{وَمَنْ أَضَلُّ} الآية. معناه لا أحد أضل ممن يدعوإلهًا لا يستجيب له. وهي الأصنام فإنها لا تسمع ولا تعقل. و لذلك وصفها بالغفلة عن دعائهم. لأنها تسمعه.
{وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً} أي كان الأصنام أعداء للذين عبدوها {وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} الضمير في كانوا للأصنام: أي تتبرأ الأصنام من الذين عبدوها. وإنما ذكر الأصنام بضمائر مثل ضمائر العقلاء لأنه أسند إليهم ما يسند إلى العقلاء. من الاستجابة والغفلة والعداوة.